ندوة قبيلة أنجرة قبل مائة عام

ندوة قبيلة أنجرة قبل مائة عام

كدأبها على تنزيل أنشطتها العلمية والثقافية تناولت جمعية الرحالة لهواة المشي بطنجة موضوع

     كدأبها على تنزيل أنشطتها العلمية والثقافية تناولت جمعية الرحالة لهواة المشي بطنجة موضوع

” قبيلة أنجرة قبل مائة عام” في ندوة علمية بنكهة تاريخية يومه السبت 30 نونبر2024 بدار الشباب الأندلس

وقد تم تأطير هذه الندوة العلمية من طرف الدكتور سعيد اغزيل أستاذ مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بطنجة، وأستاذ باحث في التاريخ والعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتم تنشطيها من طرف الدكتورة فريدة السنون عضوة جمعية الرحالة لهواة المشي بطنجة

انطلقت أشغال هذا اللقاء العلمي على الساعة الخامسة مساء، واستهلته المنشطة بالكلمة الترحيبة والتقديمية للأستاذ المحاضر وبتقديم موضوع الندوة والتساؤل حول جدوى وأهمية تناول هذا الموضوع تحديدا. ليتناول بعد ذلك الكلمة الأستاذ سعيد اغزيل لتوضيح أهمية موضوع الندوة التي تمثلت في تسليط الضوء على قبيلة أنجرة قبل فترة دخول الاستعمار وبعده، وخصوصية وضعها وسياقها، وتبيان أهمية الدور الذي لعبته في التاريخ المحلي والمغربي بصفة خاصة وفي حوض البحر الأبيض المتوسط بصفة عامة. في ربط واضح وصريح لذلك بأهمية الدراسة والبحث المنوغرافي فأهمية الموضوع مرتبطة ومستوحاة من  مذكرات إدموندو سيكو إدمندو سكو” المقيم العام الاسباني بأنجرة سنة 1926 الذي تناول فيها وصف قبيلة أنجرة من حيث الطبيعة  و المناخ والمسالك و العادات و التقاليد  و المقاومة الأنجرية وغيرها من مناحي الحياة. و مذكرات ميشو بيلير و موليرارس، و كذلك بالاطلاع على مجموعة مهمة من وثائق الأرشيف الإسباني حول المنطقة

وقد تم توضيح وتبيان الأهمية التاريخية لقبيلة أنجرة بدقة خلال هذه الندوة وفقا لمقاربة متعددة الأبعاد والمداخل شملت  سبعة مداخل رئيسية تمثلت في

 المدخل الترابي لقبيلة أنجرة: تناول فيه الأستاذ اغزيل الامتداد الترابي لقبيلة أنجرة تاريخيا خلال القرن 19 و مطلع القرن 20،  اعتمادا على  مونغرافية قبيلة انجرة لكاتبها  “ركاردو أورسيتي ” الذي تضمن توصيفا دقيقا  لقبيلة أنجرة سرد فيه عد الاحواز ¾  و عدد المداشر 112 مدشرا و عدد القرى و عدد السكان 40 ألف نسمة و غيرها من المعطيات الإحصائية. مركزا على أهمية البعد الاستراتيجي لموقع القبيلة كان محددا أساسيا للأهمية التي ميزت القبيلة خلال هذه المرحلة

مدخل الدلالة الطوبونامية لاسم قبيلة أنجرة

في مدخل  الدلالة  الطوبونامية  لاسم قبيلة أنجرة  أشار الاستاذ المحاضر إلى أن قبيلة أنجرة تعد من بين أكبر قبائل جبالة ، مشيرا إلى أن  “إدمندو سيكو” قدم مجموعة من الإشارات للتسمية، فمن حيث الاشتقاق ارتبط اسم أنجرة بمقعد مخصص لنشر الخشب وبصناعة السفن  وهو نفس التفسير الذي ذهب إليه  بعض الباحثين (التهامي الوزاني) إلى أن أصل تسمية قبيلة أنجرة قد ارتبط بصناعة السفن والصيد البحري، وذلك لاشتمال أنجرة على عدد من المراسي الكبرى والصغرى وأصبحت شواطئها ممتلئة بالأنجرة وهو جمع “أنجر” هو المخطف الي ترسو به السفن بواسطة الحبال. في حين يرجع بعض الباحثين أصل تسمية قبيلة أنجرة إلى بلدة “الأنجرون” بغرناطة، إذ يرجح على أن الأهالي الأندلسيون الذي استقروا بالمنطقة سموها كذلك تيمنا ببلدتهم التي هجروا منها و دليل ذلك وجود مدشر أنجرة بالبحراويين. كما يربط إدمندوسيكو اسم أنجرة بأصل بربري للتسمية وشرح معناها في نبات القراص( الأنجراء)

المدخل الجغرافي/ المجالي: ساهم الموقع والموضع الجغرافي الاستراتيجي لقبيلة أنجرة في إكسابها أهمية تاريخية كبرى في شمال المغرب وفي حوض البحر الأبيض المتوسط

   سلط الضوء الاستاذ المحاضر في هذا المدخل  الثالث  على أن قبيلة أنجرة استقت أهميتها التاريخية من الموقع الاستراتيجي الذي احتلته بإطلالتها على بوابة مضيق جبل طارق وامتدادها الترابي على طول شريط مضيق جبل طارق من بدايته لنهايته وما يكتسيه ذلك من أهمية استراتيجية واقتصادية باعتبارها بوابة رئيسية نحو كل من أوروبا وإفريقيا. هذا البعد الاستراتيجي يفسر بالقرب من الضفة الشمالية، و بالقرب و الجوار مع مدينة طنجة كعاصمة ديبلوماسية و القرب من  صخرة جبل طارق، هذا الموقع الاستراتيجي الذي احتلته أطر بشكل كبير الدور الاستراتيجي لقبيلة أنجرة خلال هذه المرحلة. وقد كان لهذا الأمر عدة تداعيات أهمها انتشار ظاهرة التهريب عموما وتهريب الأسلحة  تحديدا ما بين طنجة و أنجرة

المدخل الديمغرافي/ السكاني: شكلت ديمغرافية قبيلة أنجرة عاملا دافعا في أهميتها التاريخية  بفعل خصوصية ومميزات تركيباتها الإثنية

تناول الأستاذ اغزيل في هذا المدخل الأهمية التاريخية لامتداد الاحتكاك بالأندلس من خلال الدينامية السكانية بين العدوتين الإسبانية والمغربية من خلال النزوح من الشمال إلى الجنوب بعد سقوط غرناطة وطرد و تهجير المسلمين إلى شمال المغرب.  بحيث شهدت قبيلة أنجرة هجرتين أندلسيتين بالغتي الأهمية وهما: الأول وهي الهجرة الإشبيلية في أواسط القرن 12 الميلادي/ السابع الهجري والثانية بعد سقوط غرناطة سنة 1492م ، تلتها عدة موجات من هجرة المورسكيين إلى المنطقة. بالإضافة للهجرات من جنوب المغرب و من الريف في إطار ما عرف  بالحركات المسلحة و الحركية التجارية. وقد نتج عن هذا المعطى  تنوع في التشكلة السكانية وبنيتها الاثنية؛ مشيرا إلى  أهمية البعد المكاني الذي جمع الساكنة اللنجرية رغم اختلاف أصولها  العرقية

المدخل السوسيو اقتصادي : الأثر الأندلسي في اللهجة المحلية ونمط العيش

أبرز الاستاذ اغزيل في هذا المدخل الأثر الاندلسي في اللهجة المحلية مستدلا بكلمة “إش/ (ICH وربطها بدلالتها في اللغة الاسبانية، مما يحيل على الامتداد  بين العدوتين الشمالية والجنوبية، كما عرج على نمط العيش وطابع التضامن  في المجتمع اللانجري؛ وأسماء العائلات مثل  الأندلسي، الشاط ، العفاقي ، الخليع ، بن اعجيبة ، و أسماء القرى والبلدات التي لها نظائر بالأندلس خاصة بإشبيلية وغرناطة ، والأثر الأندلسي في الفلاحة والغراسة، و تسييج الملكيات الخاصة و الصراعات حول الملكيات التي تعتبر دخيلة على المجتمع الأنجري وتعكس مدى التغيرات القيمية التي عرفها  ارتباطا بالليبرالية.

مدخل المقاومة الأنجرية

استفاض الاستاذ المحاضر في هذا المدخل لتسليط الضوء على المقاومة الأنجرية والتعريف بخصوصياتها ، وتجليات أهميتها التاريخية  والتعريف بأبطال وزعماء المقاومة بقبيلة أنجرة ، والوقوف عند أهم  المحطات  التاريخية للمقاومة الأنجرية خاصة مرحلة  1914 – 1917  ويوم أنجرة  الذي يؤرخ لمعركة البيوت في 29 يونيو 1916. موضحا مدى ارتباط أهمية قبيلة أنجرة بالمقاومة الأنجرية، التي تعتبر من بين أولى المقاومات بعد التوقيع على الحماية بشمال المغرب، وإن لم تحظ باهتمام المؤرخين ولم يسلط عليها الضوء بما يكفي ويليق بها كمقاومة محلية أولى برزت في شمال المغرب

فقد اكتست قبيلة أنجرة أهمية تاريخية بفعل عامل القرب من مدينة طنجة بحيث ساعدها التواصل مع مدينة طنجة كواجهة دبلوماسية مستقطبة لمختلف الهيئات والتمثيلات الديبلوماسية، مما جعلها تتميز ببعض الخصوصيات التي اقترنت بظروف حرب تطوان 1859-1860 و بالتغلغل الاستعماري على حساب المغرب انطلاقا من طنجة و سبتة و علاقة المخزن بالقبيلة ضمن هذا السياق

لقد كان لعامل الاتماس الحدودي لقبيلة أنجرة مع مدينة سبتة المحتلة والاحتكاك المباشر مع الإسبان؛ حتى قبل حرب تطوان؛ دور أساسي في بروز أولى بوادر المقاومة المحلية الأنجرية للأطماع الإسبانية في توسيع حدود مدينة سبتة على حساب المجال الترابي لقبيلة أنجرة؛ على المستوى الحدودي بين سبتة المحتلة وقبيلة أنجرة

وتكمن أهمية المقاومة الأنجرية في كونها الأولى من نوعها في شمال المغرب بعد توقف مقاومة الشريف محمد امزيان غداة الحماية؛ بحيث سبقت ظهور المقاومة الريفية تحت قيادة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي؛ غير أن هذه المقاومة تم إغفالها تاريخيا ولم تنل نصيبها من الاهتمام  تاريخيا بحيث لا نجد مصادر او إشارات واضحة تؤرخ لهذه المقاومة رغم أهميتها التاريخية

المدخل  الطبيعي و البيئي :  قبيلة أنجرة مجال  جغرافي و بيئي غني ومتنوع في حاجة للحماية والتثمين

   تناولت المنشطة فريدة السنون في هذا المدخل  تميز  المجال الجغرافي والبيئي لقبيلة أنجرة بالغنى والتنوع  بين مجالات غابوية وجبلية وشاطئية ومصادر مائية من عيون ووديان وشلالات غاية في الجمال  و الروعة تعكس مدى الغنى الطبيعي والتنوع البيئي للمجال الترابي لقبيلة أنجرة ، وتمثل “محمية جبل  موسى” كقسم مغربي لمحمية  المحيط الحيوي القاري للبحر الأبيض المتوسط  المحدثة في سنة 2006 هذا التنوع و الغنى سواء من حيث تنوع المجالي و النباتي و الحيواني، فقبيلة انجرة تتميز بوجود مسارات غابوية: الكوف العليا – الكوف السفلى – العليين ، و مسارات شاطئية: مسار  الدالية – واد المرسى – جزيرة تورة –  بليونش/ مسار واد الضويات – المضيق ، و مسارات جبلية: جبل موسى – جبل الفحييص

وبهذا الصدد تمت الدعوة  للاهتمام أكثر بحماية هذه المنظومة البيئة الغنية والمتنوعة من الاستغلال غير المعقلن و الاستنزاف  من جهة وتثمينها في السياحة الجبيلة والتضامنية  من جهة أخرى

 بعد تناول هذه المداخل السبعة بالتساؤل والتوصيف و التحليل من طرف المنشطة والأستاذ المحاضر، فتحت باب المداخلات لمناقشة محتوى العرض مع الحضور الكريم الذي أغنى النقاش بمداخلات وتفاعلات قيمة

واختتمت أشغال هذه الندوة العلمية على الساعة السابعة والنصف مساءا بتوزيع شواهد تقديرية لكل من  الضيف الكريم و منشطة  الندوة و مديرة دار الشباب الاندلس و أخذ صور تذكارية

جمعية الرحالة لهواة المشي بطنجة